Sunday, July 20, 2008

زوايا أخرى.. لا يلمسها أحد

استسلمتُ له أخيراً.. تركتُه يسحبني على الأرض التي يريد، خشنة تمتلئ بالتعرجات والطوب المختلف البروزات، أو لعله يتخير أرضاً أكثر حناناً منّي.. يسحبني عليها ببطء. شجني غير متراص بدقة.


ها.. تركتهم بالخارج بهمّهم الشاغل وانسحبتُ ببطء.. الحقيقة أنني لم أحتج لكل ما أحاول أن أوحي به هنا من تخطيط وحرص كي أستطيع التملص من عيونهم المثبّتة عليّ. لا أحد يهتم كثيراً.

مممممم.. حسناً، لا أقصد لا مبالاة جارحة أو عدم اهتمام بشخصي مثلاً.. على الإطلاق! هو فقط.. موقف طرفي المقص.. كلاهما يعملان بالضرورة في نفس الوقت، بذات الشكل.. كي يتم المُراد. والمراد هنا تركي أشعر بانسحابي ببطء، كأنهم لا يشعرون بذلك، وكأنني اختفيتُ خِلسةً داخل حجرتي.. “كأن” تفيد عدم صدق كل ذلك بدبلوماسية تروق الجميع.


الـ شقة الجديدة! هذه المرة “العِزال” حقيقيٌ! فم السيارة يمتلئ بالكثير، تخرج بنا الآن خارج نطاق الهواء. تخترق حدود عقولنا الصغيرة، تلك التي اعتادت المكان الضيق، الحوار الضيق، الحرية المستترة، والأحلام المنتفخة.


أضع الـ”هيدفون” سريعاً.. هرباً من سقف السيارة وأبوابها التي تشع حرارةً.. انفتاحاً على ذرات الرياح بالخارج، هرباً من الحوار العاديّ.. القرآن بالراديو: خلفية ثابتة، نحن في مهمة رسمية، لماذا لا نبدو كأسر الأفلام العربية القديمة؟ نحن في النهاية ننتقل لنخرج من شرنقةٍ ما، لنفرح..

لماذا لا نفرح؟


الهواء يصر على مصافحة وجهي بقوةٍ. أكتفي بتركي بين كفيه دون قدرة حقيقية على المصافحة بذات القوة.. أكتفي بلمسة من الريح تضرب عنقي ومعتقداتي على خطٍ مواز..

فيروز تزلزل السيارة.


مشهد “دائماً” داخلي:

النجّار بالخارج = “اجروا على جوّا”

الحجرة تلك المرة أوسع قليلاً. لها نافذة تطل على سرداب صغير. مغلقة كالعادة.

ونحن كالعادة…..


إلى أين سحبني القلم؟ أين أولى بلاطات الجرّ؟

آه.. أجلس بحجرتي الصغيرة.. ها بدتْ أكثر اتكاءاً الآن على نظافتها.. زواياها تتشكل كل دقيقة بمظهرٍ مختلف.. أو هكذا تتصنع.

يمكنني الآن لمس الأرض بقدميّ الحافيتين على الأقل.

يعملون بجدّ في الخارج، ينقلون الأثاث، يعيدون الترتيب، يغسلون عيون الحائط.. ابتسمتُ وأنا أتخيل “ماما” تضع أدوات الماكياج أمامها لتصلح من هيئة المكان.

“هنحط البوفيه فين؟”

“الأنتريه.. أربع مراسي وكنبتين يا بابا”


النافذة تطل على الشارع بجرأة. اعتدنا المكوث داخل حجرة مغلقة بشقة مغلقة ببيت صغير مغلق بركن شارعٍ ضيق، لا يرانا فيه سوى الله.

(يا طير يا طاير على اطراف الدِنا.. لو فيك تحكي للحبايب شو بنا)

ماذا يستطيع الطير أن ينقل لو تركته يذهب؟ لماذا لا أملك طيراً كي أتركه ذات جنون ينطلق؟ لن أملك.. لا أحب فعل الامتلاك! سأحرره فقط.. أعتق رقبته! هل سينقل شيئاً؟ هل يعرف ما أحياه؟ يحفظ الأحداث جيداً؟ هل يتحدث لو تحتم عليه ذلك؟ لِـ “من”؟!

تحكي للحبااايــ ـــــــبـــ……… !

“الحبايب” فقط!


(يا قلبي لا تتعب قلبك)

فيروز متيقظة بشدة!

الفتور يتراكم حولي. أُصاب إثر الضيق بسِمنة مفرطةٍ مفاجئة. أريد البكاء.

ينفع استنى هنا يوم زايد………… لوحدي؟

………… ……….. …………………………..

“شقٌ جديد”



غداً أول الأسبوع.. العمل.. القصيدة الجديدة.. لا مشاريع جديدة للحب.

أيّ! دبدبة النمل في طرف إصبعي تؤلم حلقي وتثير رغبتي في الموتِ نهاراً.

(فِـ برد الليل.. وخوف الليل)

كنتُ على درب المقاطعةِ للمنتجات الصهيونية..أو كما يقولون. سقطت تلك الحافة بما عليها بكل تركيز أيضاً..

“بيبسي دايت.. انتي مش مقاطعة!”

(وصار يجري وينساني وانا باجري فـ طريق تاني)



“هل ينسى من أحَبَّ.. من أحَب؟”

أبتسم.. فقط.. إذا بالفعل “أحَبَّ”

صح؟

أتذكر جملة كتبتُها ذات مرة، أنساها!

(أمس انتهينا فلا كنا ولا كانَ)

عودة قويّة لفيروز.. تكتسح!

يضغط النوم أجفاني فجأةً.. صحيح أنهم يكدّون بالخارج، وأنني أبروز أحقادي وأحزاني بالداخل.. صحيح أننا اتفقنا ضمنياً أنني تسربتُ خلسةً وأنهم لم ينتبهوا لاختفائي تماماً.. وأن كلانا لم يغضب لشئ (اختفائي/ لا مبالاتهم) غير أن مشهد نومي إضافةً لذلك.. سيجعلهم يطالبون بتهذيب صوت فيروز وشعرها أيضاً.

لماذا أُحاسَبُ على نيّات متراكمة لغيري؟ لم أقصد أي سوء بتلك الكلمة! فقط وضعتُ خطاً تحت “لا يوجد ملاك بتلك الدنيا!”

فقط!

لماذا تنتقل الكلمات في دوائر سوداء/ رمادية في شرائح ضيقة لا تتسع حتى للتحديق بها طويلاً؟

أشعر.. بكمّ مبالغ فيه من الاستياء.. كلمت الحب المريضة.. ايحاءات الحنان المبتذلة، تكثيف الاهتمام والحنان.. الانبهار والروعة وما إليها من ملائكيات مفتَقَدة.. قلوب بيضاء.. ودموع قريبة الحضور.

إصبعي يؤلمني قليلاً.

(تعرف الانسان من الطلّة………. تعرف الانسان من الشُوفة)

فؤاد حداد.. لكن “مش دايماً”

المراتب على الأرض. أحب النوم عليها هكذا. فقط هو صراخ الناموس قرب قلبي، يقلق نوم روحي على طرف المرتب النائمة بدورها على الجانب الأيمن.

فلان مغرم بكِ.. تعرف، تبتسم، تصمت في يأس.

فلان يحلم بكِ من من….. أكيد، توقن من ذلك.. “يحلم” فقط.

فلان يراجع قلبه ونفسه.. “ينفع؟” .. أخبريه أن……….

(يا أسفاً للعمر كيف ضاع!)،،،، يا فيروز بالله ارحميني!

مشهد رومانسي بفيلم ما.. أجنبيّ.. قبلة صغيرة.. يقول كان متأكداً أنها……….

كانت في الخامسة والخمسين من عمرها!

رغبتي في الذوبان عند الثلاثين ربما هي مجرد كسل!

أمضمض فمي وتجاويف زمني الماضي في الصباح،

بقعة لا أهتم لوجودها بملابس البيت،

أحكّ جلدي بعادية،

هلالان أسودان يحيطان عينيّ إثر غسل وجهي بغير اكتراث بالكحل المرسوم داخل الدائرتين الفارغتين إلا من النظر.

أتذكر دعوةً تفوّه بها أحدٌ ما بها لفظاً.. أن يارب عَمَىً!


كسل!

الآن لا تملك السيدة أن تشعل أذنيّ بشئ..

حرارة السيارة تكفي لإشعال العالم. خطوة للخلف أو لأي اتجاه! المهم أننا في طريقنا للعودة..

حقاً؟ عائدون للوطن أم منه؟؟“Home Sweet Home”




“يلا”

أمرٌ نافذ الوقع! من الأذن اليمنى إلى ضفة القلب المسئولة عن الخفق القلِق.

أجرّ أفكاري المبتسرة. ربما أتمكن من حفرها داخل لساني إلى حين أفضها على الورق من جديد.. كتبي تجري خلفي ساحبةً نفسها والدرافت الذي أنقل أسلاكي المشدودةِ منه الآن. أجلس بالسيارة.. نفس الجانب الملاصق للسماء، الطريق نفسه لكن اختراقه تلك المرة يعلمنا الغوص داخل الأحاديث الجانبية للأرصفةِ وأوراق الشجر الأبيض والأوتوبيسات المجنونة بالحوادث..

“لو تحدث حادثة ما!”


عموماً.. لا طائل من كل هذا الهُيام. لا خطط قادمة على كلٍ.

فارغة ككوب معدنيّ، ممتلئة كفم سيارتنا العتيقة بالكثير من الأشياء.. آخرها موعد المضاد الحيويّ.. ست ساعات أم ثمان؟؟

Wednesday, July 9, 2008

آآآآآه

الأوّلـا آآآآآآه
والتانية آآآآه
والتالتة آآآآه
..

رغبتين
حكيْ وفضفضة
والتانية قفل عينيا
ووداني
وجلدي
علشان لا اشوف
ولا احس!
ولا احس!
..

لما بتلصّم حاجة مفتوحة
وتقفلها
تتعامل مع نفسك عادي وتصبّح عليها
فجأة حد ييجي يقولك "ها أقفل"
تتفاجئ!
هو لسه في حاجة؟!
مع انك عارف أوي
جداً
تضطر تقول "اقفلها آه"
آآآآه
فــ .. الأوّلـا آآآآآآه
والتانية آآآآه
والتالتة آآآآه
..

Sunday, July 6, 2008

تجرِّبُ أصابعها في الكلام


لا مانع من نثر بعض الملح في وجه الهواء الآن
...
.
العصافير المنقرضة ربَّت أظافرها وصياحها، تزقزق بشكل مستفز، وتنقر وجهي بحميمية الوحوش
تنثر بقايا أعشاشها بين أحشائي، يصعبُ دخول الهواء رئتيَّ
..
عملاقٌ يأخذ طريقه بكل ثبات بين جنبي، أكتافه المضغوطة تقلب الأشياء داخلي، ينحتُ خطاه بخطٍ أبيض سميكٍ بين أسودٍ يعجّ.
.
ما أروع أن يتراضى خطا وجعٍ من لونين.. يحترفان الاختلاف، يتلاصقان بود فقط كي أختنق بينهما
.
تمرق العصافير الآن..
أجنحتها متورّمة،
لن تلتزم صمتاً يوجعُ بعدُ.
فلتتمسك جيداً بصوت السيوف المنبعث من داخلها، تقلب اضطراب الموتى فتتنفس هي..وتنتعش.
تمسك أطراف الضلوع التي تنحشر داخلها -ضلوعي- وتقشرها كقشرة البرتقالة أو أيسر قليلاً.. لتتحرر منِّي، تقشـ ـرني
..
ملتزمةٌ تماماً بخطوط كتبتها لي الملائكة كي تيسر لي طعم الدواء الذي أمتعض له. ها أسحب من مكتبي آخرَ ورقةٍ كتبها الرخُ وثبّتها على جبهتي كي يتعرفوني بيُسر. أنا لست حزينة على الإطلاق. قلت ذلك ذات انتهاء ولجته. والآن لا أوقن من منا الفاعل بالضرورة
..
مصمتٌ إرهاقي، يؤذي عينيَّ كل صباح كبيضة من حديد لا مطاط يساعدها على الاتساع والتمدد لأنفاسي المنهكة
الحياة خيار أخير لمن يخشى الموت
..
أهذي كضفدعة تركن ظهرها للفراغ.. أو كصبار أدخلوه حوض ماءٍ. هو يشعر بزيادة الحياة.. يعيش أكثر مما ينبغي.. لدرجة الموت
..
أهذي….. وعلى الجميع أن يتقبل حروف الموتى المقبلين عليهم بكل ترحيب، يثبّتونها على جدان غرف نومهم ويتباركون بها
..
أهذي… لا أعرف متى قرر بعضي أن يغادرني محدثاً تجويفاً في كفي الأيسر وثقباً في إبهامي الآخر. أشعر بجوفي يصرخ للفراغ.. عين ثالثة في سبيلها للحياة في وجهي. لا أعرف فقط أين ستقبع لأفسح لها مجالاً. ربما أجدع أنفي أو أشق لها طريقاً بوجنة ما أو أحشرها بين أسناني
..
قلبي أيضاً.. أحس بانقساماته الآن .. تخيّل معي.. خلاياه تتحرك باتجاه مركزه بقوة واندفاعٍ، تحدِثُ انفجاراً أحمر يرقص. كتلةٌ من بقاياه تقوم بعد قليلٍ لتتحد الأكفّ.. تعيد الكرّة وتندفع باتجاه المركز المزعوم لتنفجر وتتكتل
وتنفجر
وتتكتل
وأنفجر
وأنفجر
..
أدركُ جيداً كيف نأكل الفحم يومياً ونتعجب للسوادِ الذي يقبع مسترخياً في لذة أخاذةٍ في أرواحنا.هل حين أسافر آخر العمر -وهو قريب بالمناسبة - للصحراء الصفار، أستطيع الاكتفاء بالرمل طعاماً؟ كم يوجع الماء! لم أفهم أو أقدّر يوماً كم يوجع الماء إلا حين بكيت
..
حين أفترش لحظات موتي تحت ساقين تقاطعتا تحتي.. لن تكون أمي وحدها معي، .. لن أختار أبي أيضاً فهو طيب بكّاء. أخي لم يعرف كيف يحتضن صوتي المرهق نحيباً آخر مرة مت فيها. وتوأم القلب أخشى تود أن توقظني بالتلويح للفراغ فتشعر بوَحشة.. أرأف لها فقط.لن أتعمد الموت في العمل كذلك كي لا يراني الزملاء صفراء بشدة فكم أكره ذلك اللون
..
لو متُ بين كفيكِ يا عزيزتي.. ربما بالمترو -كما أوشك أن يكون في المرة الفائتة إلا قليل- المسي روحي بقطعة شوكولاتة صغيرة .. كنتُ أحب أن يكون آخر ما أتذوقه كل مساء.. رغم علمي بخطأ ذلك
..
ضعي أصابعكِ على عينيَّ كي لا أرى الناس - لن أراهم على كل حال- سأحاول تذكير نفسي بذلك. لا تتسرعي وتحاولي اللحاق بأنفاسي فهي سريعة كعادتها تسابق النبض الهارب من فمي.. دائما ما احتارت أمي كيف أبتلع الهواء بفمي كالسمكة
..
لا تمسكي بيدي فستكون كعادتها حين أفرح/ أحزن/ أموت باردة باهتة كبابِ الثلاجة من الداخل.دققي النظر في وجهي لو بقي في مكانه.. ولا تتبعي تلك النقوش المنحوتة به.. هي ليست لدمعةٍ كالنار التي أكلتني يوماً. ليست لجرحٍ سبّبتُه بيديّ لوجنتي، لا تخبريهم عن خطاباتي الأخيرة لنفسي. لم أجنّ. ولا تخبريهم عن صحوي لخمسة أيام متتالية حتى نمتُ وجفوني تمهّد لتكون قشرة جافة ترتبط لمحض عادةٍ بحدقتيَّ
..
اغتظت كثيرا فقط.. لتلك الضربات المتلاحقة على صدري كل مرة أقسم أن أحاور الملائكة في أمر حفظي والتسرية عني.. أنا التي لا أترك المعوذتين والأذكار كل صباح..أستغفر الله ولا أنسى الدعاء للآخرين -بين قوسين- تراهم يملكون نفس خاصية الألوان الباهتة
..