Monday, December 14, 2009

لأنني لا أعرفُ كيف أصنع مثلكَ يا أبي






أنا..

بنتٌ صغيرة، لا أتقن الكتابة كأبي. لا أجيد تهجي الأسماء – سوى اسمي – ولا الاقتراب من قطتنا دون خوفٍ وأنا أضع لها لقمةً من ساندوتشي – رغم أنني أحبها وأوقن أنها تحبني بالمِثل -.

أنا قصيرةٌ جدًا بالنسبةِ لأبي الذي يحملني على كتفه أحيانًا بنفسِ خِفّة علبة سجائره، لكنني بكيتُ طويلًا حين أطاح بي مثلها حين يغضب.. فارتطمتُ بطرفِ المنضدةِ المعدنيّ. سامحته بالطبع بعد بكائي لأنه لم يقصد ذلك.. كان فقط يصرخ في وجه أمي. لا أدري لماذا لم يعد يحملني من وقتها.

صحيح أنني لا أفهم إلى الآن لماذا حين أطلب منه أن "يساعدني" في تخطيط لوحةٍ للفصلِ، يقوم برسمها كاملةً ويكتب اسمي منفذةً لها في الطرف.. وصحيح أنه يتقن رصَّ الحروف بدون أسطر بينما لا أستطيع ذلك بدون استخدام مسطرتي.. لكنني أتقن الرسم أكثر من أبي.

أنا أحب الخطوط واضحة والتفاصيل.. أحب التفاصيل جدًا. أما أبي فيملأ المساحات بالخطوط الكثيرة والكثيفة.. فوق بعضها.. فوق بعضها!

يقول إنه ظلّ الأشياء وإن الرسم يختلف عن الحقيقة.. لماذا يختلف عن الحقيقة؟!

أنا أرسم ما أحب.. وأحبه لأنه هكذا كما هو.. لا أفهم! لماذا قد أرسم ما لا أحبُ بشكلٍ أحبه؟!

لي طريقةٌ يحبها أصدقائي في رسم وجوههم.. الوجه أولًا.. ثم ألصق العينين والأنف.. سهلٌ رسم الأنف، لا أدري لماذا يخطؤه أصحابي! الأنف دائما مجرد مثلث.. أحياناً بتعرج بسيط. بالطبع يختلف حجمه من ولدٍ لبنت – البنتُ دائمًا جميلة، أنفها صغير.

أضع أحيانًا خطيْن للتجاعيد. أبي يدرِّجُ الخطوط بشكلٍ غريب.

ألوِّنُ الشَعرَ كاملًا بلونٍ واحد.. كل الرأس. شعري مثلًا بنيّ.. لا أجد درجة لون شعري في ألواني الخشبية ولا الفلوماستر.. ولا أعرف في الواقع كيف أصنعها بألوان الماءِ دون أن تبتل الورقة تمامًا !

أمي كذلك لون شعرها في الغالب بنيّ، أحيانًا أخرى يغدو أسود، حين تصبغه فقط. أبي لا أعرف لون شعره. أبي يصنع من خطوطه شَعرًا خاصًا.. بين خطوطه فراغاتٌ كثيرة، يقول إنها توحي بلمعةِ الشَعرِ أو شعيراته البيضاء. لا أحب الفراغات. تُشعِرني أن صاحب الرسم استعجل التلوين.. أو انكسر قلمه فأخذ يشخبط بالباقي منه!

لوحة أبي في النهاية تبدو كتلك التي أراها أحيانًا على جدران المدرسة من الداخل – تُرى.. هل رسم الآباء لكل هؤلاء المكتوب اسمهم في أطراف اللوحات المعلّقة؟ كيف لا يعرف المدير! هل يتغاضى لذلك عن بعض المتأخرين!-.

رغم أنني لم أحب طريقة الرسم التي ينتهجها أبي وشاهدتُ خطوطها غير المستوية في البداية، لكنني..

ممممم.. لا أستطيع إنكار شعوري بالفخر باللوحة التي "أصنعها" ويتم تثبيتها فوق الجلاد البنيِّ على الحائط الخلفيّ للفصل.

Saturday, December 12, 2009

عن البنتِ التي انشطرتْ كتلتيْن

لم أتخيلها يوماً تتعلق أطرافها بأطرافي. تمسك بي بـ كُلِّها.. لا أعرف إن كنتُ أنا أيضًا أمسك بها بـ كلِّي.

تحيط سرادقتاها العالية بشدة بي. – أتذكر إثر كلمتي السابقة آيةً من القرآن عن الجحيم وعذاباته -.

أدرك ..
نعم، أدرك جيدًا مدى انغماسي فيها، لكنها أعلى من مساحة إدراكي البشريّ السهل.

ربما كان ينبغي أن أصادف ذلك كله كله في زمن آخر.. أكون فيه أقدر على تعدّيها بكل الهلاميات الشاطرة للنفْس.

المهم أنني أعيشها و"الآن"

عرِّفوني على "الآن" هذا الذي يصرف ذهن الجميع ببراعةٍ عن الآتي!

هذه الفترة من الوقت التي تأكل الحياة كاملةً في جوفها وتضغط على أعناق الجميع لهاثًا للحاق بها قبل أن تنفد الكمية!


المهم كذلك أنني رغم انتحاراتي فيها يوميا.. لابد أنني بشكلٍ ما أستمتع بها !

لستُ وحدي طبعًا ..

تلك هي طبيعة البشر عموما.. امتزاج كل حلو بمُرٍ ينسخ في خلاياه متعة ما رغم الامتعاض الخارجي.



توضيح:

أصبحتُ الآن أكثر قدرة على السقوط/ الإحباط/ البكاء/ النوم/ الموت/ اليأس/ الصراخ – ذلك الذي تعلمته مؤخرا-/

القتل/ الزهد/ تعذيب النفس والآخرين/ الكراهية !

هذه مجرد أمثلة لما أعانيه تلك الفترة.. ممممممم.. ربما أنا الآن آخذ أولى خطوات العلاج.

المهم، أردتُ القول.. أنني أشعر بأخرى داخلي، تتجاذب أطراف الجدال معي كل حين، تتصيّد الأخطاء للآخرين تجاهي،

تزعجني بالغضب منهم، والصراخ في وجوههم وتفتيت أعصابهم بالندم والموت خوفا من أخطائهم الضحلة!

بعد حين.. تلك الآخرى أخذتني نحو سلم آخر,, أهبط فيه داخلي وأغضب منها.. تقنعني ببراعة أنني وان كنتُ قد أهدر حقا

لي، فأنا لابد المذنبة، وانا على كل حال السبب.. ثم إنني أصلا أستحق وكثير !

الواقع أنها استطاعت بجدارة أن تنحت في تكويني غضبا ما جاثما للأبدية التالية من نفسي.. تلك النفس التي أكاد أراها تحلّق

حولي وتقول في شماتة صفراء "لن تمسكيني.. أنا داخلك"


أعترف أنني فكرت مرّات أكثر من عدد أصابع يدي وقدميّ أن أدخل إليها وأذبحها على رؤوس عيني.

أعترف أنني – أو ربما هي أيضا متخفيةً في وجهي – استطعتُ أن أرسم ببلاهةٍ خطة الهروب من الجحيم بعد ذنب القتل

العمد.

أعترف أنني أصبح في تلك اللحظات من الداخل جوفاء ومن الخارج موجوعة الظهر جدا..

الواقع أيضا أنني اصبحتُ في آخر حوار بيننا غير قادرة على احتمال لعبها المستمر بي وبمن حولي بدعوى أنها أنا.. قلت

لحبيبي في ذلك الحين أنها غيري. حاولت توعيته بهدوء فلم يسمع.. صرختُ فيه طالبة منه أن يتركها وإلا سأقتلها بيديّ..

أخبرته أنني أحبه..

وأنها تكرهه

قلت إنني أريد إسعاده غير أنها قاسية الأعين.. "ألا ترى؟"

أنا غيرها ! نحن اثنتان فلا تخلط بين تلك العنيفة وبيني، كل ذنبي أنني غفلت وهي تركب عنقي وتسوقني نحو الدمار الشامل !

يحاول إيقاظي هو من غفوة يظنني أعوم داخلها.

"أنت واحدة يا حبيتي وأنا أحبّكِ! ماذا بكِ؟ !".. يقول.



مشكلة:

لا يفهم !