أنا..
بنتٌ صغيرة، لا أتقن الكتابة كأبي. لا أجيد تهجي الأسماء – سوى اسمي – ولا الاقتراب من قطتنا دون خوفٍ وأنا أضع لها لقمةً من ساندوتشي – رغم أنني أحبها وأوقن أنها تحبني بالمِثل -.
أنا قصيرةٌ جدًا بالنسبةِ لأبي الذي يحملني على كتفه أحيانًا بنفسِ خِفّة علبة سجائره، لكنني بكيتُ طويلًا حين أطاح بي مثلها حين يغضب.. فارتطمتُ بطرفِ المنضدةِ المعدنيّ. سامحته بالطبع بعد بكائي لأنه لم يقصد ذلك.. كان فقط يصرخ في وجه أمي. لا أدري لماذا لم يعد يحملني من وقتها.
صحيح أنني لا أفهم إلى الآن لماذا حين أطلب منه أن "يساعدني" في تخطيط لوحةٍ للفصلِ، يقوم برسمها كاملةً ويكتب اسمي منفذةً لها في الطرف.. وصحيح أنه يتقن رصَّ الحروف بدون أسطر بينما لا أستطيع ذلك بدون استخدام مسطرتي.. لكنني أتقن الرسم أكثر من أبي.
أنا أحب الخطوط واضحة والتفاصيل.. أحب التفاصيل جدًا. أما أبي فيملأ المساحات بالخطوط الكثيرة والكثيفة.. فوق بعضها.. فوق بعضها!
يقول إنه ظلّ الأشياء وإن الرسم يختلف عن الحقيقة.. لماذا يختلف عن الحقيقة؟!
أنا أرسم ما أحب.. وأحبه لأنه هكذا كما هو.. لا أفهم! لماذا قد أرسم ما لا أحبُ بشكلٍ أحبه؟!
لي طريقةٌ يحبها أصدقائي في رسم وجوههم.. الوجه أولًا.. ثم ألصق العينين والأنف.. سهلٌ رسم الأنف، لا أدري لماذا يخطؤه أصحابي! الأنف دائما مجرد مثلث.. أحياناً بتعرج بسيط. بالطبع يختلف حجمه من ولدٍ لبنت – البنتُ دائمًا جميلة، أنفها صغير.
أضع أحيانًا خطيْن للتجاعيد. أبي يدرِّجُ الخطوط بشكلٍ غريب.
ألوِّنُ الشَعرَ كاملًا بلونٍ واحد.. كل الرأس. شعري مثلًا بنيّ.. لا أجد درجة لون شعري في ألواني الخشبية ولا الفلوماستر.. ولا أعرف في الواقع كيف أصنعها بألوان الماءِ دون أن تبتل الورقة تمامًا !
أمي كذلك لون شعرها في الغالب بنيّ، أحيانًا أخرى يغدو أسود، حين تصبغه فقط. أبي لا أعرف لون شعره. أبي يصنع من خطوطه شَعرًا خاصًا.. بين خطوطه فراغاتٌ كثيرة، يقول إنها توحي بلمعةِ الشَعرِ أو شعيراته البيضاء. لا أحب الفراغات. تُشعِرني أن صاحب الرسم استعجل التلوين.. أو انكسر قلمه فأخذ يشخبط بالباقي منه!
لوحة أبي في النهاية تبدو كتلك التي أراها أحيانًا على جدران المدرسة من الداخل – تُرى.. هل رسم الآباء لكل هؤلاء المكتوب اسمهم في أطراف اللوحات المعلّقة؟ كيف لا يعرف المدير! هل يتغاضى لذلك عن بعض المتأخرين!-.
رغم أنني لم أحب طريقة الرسم التي ينتهجها أبي وشاهدتُ خطوطها غير المستوية في البداية، لكنني..
ممممم.. لا أستطيع إنكار شعوري بالفخر باللوحة التي "أصنعها" ويتم تثبيتها فوق الجلاد البنيِّ على الحائط الخلفيّ للفصل.